جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفاسير سور من القرآن
65755 مشاهدة
حرمة الأشهر الحرم وبيان عدم نسخ حرمة القتال فيها

...............................................................................


وقد ذكرنا بالأمس أن العلماء اختلفوا في الأشهر الحرم؛ هل حرمتها باقية إلى الآن، ويكون من نسأ النسيء الآن ازداد كفرا وفعل كفرا؟ أو هي منسوخة لا تحريم في الأشهر الحرم، وأن قتال العدو يجوز في جميع الأشهر؟
وذكرنا بالأمس أن المشهور عند العلماء، الذي عليه الأكثر أنه قد نسخ تحريم الأشهر الحرم، واستدلوا على ذلك بظواهر آيات ليست صريحة في ذلك. ومن أصرح ما استدلوا به هو ما ذكرنا من أنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر ثقيفا في غزوة الطائف بعضا من ذي القعدة، وهذا ثابت في الصحيحين ثبوتا لا مطعن فيه.
قالوا: لو لم تنسخ لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفا في ذي القعدة، وهو شهر حرام. وقد ذكرنا بالأمس أن الذي كان يظهر لنا وننصره أن تحريم الأشهر الحرم قد نسخ، وأن الذي تحققناه بعد ذلك، وصرنا نجزم به أنها باقية التحريم إلى الآن ولم ينسخ تحريمها، كما كان يقسم عليه عطاء بن أبي رباح رحمه الله، كان يحلف أن حرمتها باقية.
ومن أصرح الأدلة في ذلك هو الحديث الذي أشرنا إليه أمس؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب به يوم النحر في حجة الوداع عام عشر، ولم يعش بعد ذلك إلا نحو ثمانين يوما، وقد صرح فيه بأن ذلك الشهر حرام، وذلك اليوم حرام، وذلك البلد حرام، ولم يأت بعد ذلك شيء ينسخ هذا التحريم الثابت عنه صلوات الله وسلامه عليه .